قصص وروايات

مسلسل أحبك بجنون الحلقة 11 – حكاية رمزي

هذه هي الحلقة رقم 11 من أصل 79 حلقة في رواية أحبك بجنون

غادر رمزي جامعته غاضباً, منزعجاً.
هذا النهار أنّبه واحد من أساتذته على سوء أدائه في الدراسة, وقد تجرأ على القول له: أنت لا تصلح للعلم مطلقاً! الأفضل لك أن تبحث عن عملٍ حرفي!
كم أثارته هذه العبارة, وكم أهمّته!
كيف يطلب منه استاذه البحث عن أي عمل ورمي سنين الدراسة المضنية في القمامة؟!
أليس هذا ظلماً؟
ظلم جديد ينضم إلى سلسلة المظالم التي تعرض لها.
البداية كانت مع أول لمحة من الوعي والإدراك.
ما زال يذكر كيف تعامل الناس معه طفلاً, ولأنه نشأ مع الفقر المدقع, انقسموا من حوله فريقان: واحد مشفق والآخر ساخر.
والاثنان كانا سكاكيناً حتدة جرّحت في نفسه فشوّهتها.
كبر الفتى ومعه نظرات الإشفاق أو السخرية ويا لها من نظرات مؤلمة!
ثمن اتسعت حلقة الجحيم التي يسكنها مع وفاة أبيه.. هنا.. إنتهى كل شيء.. وضاع منه كل ما خبأه من أمل.
وتقلبت أوجه الحياة امامه..
فلم يرَ فيها إلا التعاسة والشقاء..
لم يكن بيده حرفة, ولا شهادة علمية, ولا خبرة في أمور الدنيا وشؤونها.
لم يكن بيده مال ولا آمال.
لقد ضاع كل شيء في نظره.. رحل والده وهو في أمسّ الحاجة غليه.. إلى عونه وعطغه وحكمته..
وبكى الفتى بعدما رأى الدمار الذي لف كونه..
هو الآنة بلا معين, بلا سند..
وتجردت نفسه أمامه فوجدها بلا شخصية, بلا هيبة, بلا قوة ولا قدرة ولا طاقة.
فكره الحياة, وكره الناس, وكره نفسه.
وصار عقله يعمل كمحرك نووي, يطرح آلاف الأسئلة والهواجس, ويخضب لياليه بأسوأ الأفكار وأفظع الكوابيس.
كان خوفه في ازدياد, وقلقه في تصاعد, ويأسه في تنامي.
تألم لحاله, ولحال شقيقته, وارتاع حيتن راى مشاعل والدته تنطفأ يوماً بعد آخر تحت وطأة الحزن والعمل.
وكان عاجزاً.
ماذا يفعل؟
ماذا بامكانه أن يفعل؟
العمل؟
أي عمل؟
هو لا يتقن أي حرفة.
العلم؟
متى ينتهي؟
درب العلم طويل وشاق.
العون؟
من أين؟
لقد رحل المعين الوحيد.
وتخبط في جدران الحيرة طويلاً.
ولم يشعر أحد به ولا بعذاباته..
وكأن الدنيا كلها لا تبالي بعه..
وفكر حينها..
لماذا يبالي هو بها؟
ووجد حلاً يسيراً للهروب من كوابيسه..
إنه ببساطة: الملذات..
فانكب عليها بنهم, ليس لاشباع رغبات شهوانية في نفسه, بل للهرب من هذه النفس الأمارة بالألم!
أهمل دراسته وجامعته, وترك الصالحين ليلحق بركب رفاق السوء, وطاف في الملاهي الليلية والحانات, وتسكع هنا وهناك, وتحرش بالنساء وعاكس الكثيرات ونال العديدات, وتجرع الخمر حتى خالجته آلام معوية دائمة, وكان هو وبعض من رفاقه يسرقون السيارات الحديثة تحت جنح الظلام ليصولوا ويجولوا بها حتى ساعات الفجر ثم يقومون بتفكيكها وبيعها لتأمين نفقات السهرة التالية.
هكذا..
هرب رمزي من جحيم إلى آخر أشد ناراً وأقوى لهيباً.. لكنه.. ببساطة.. لم يعد يبالي .. ولا حتى بنفسه.. ولم يعد يهمه في الدنيا سوى التفكير في اللذة القادمة!
هذه الليلة, وعلى جري العادة, خرج رمزي من منزله عند تمام الثامنة مساء بعدما غطّ في سبات عميق استمر أربع ساعات كاملة.
وكان واحد من رفاقه ينتظره قرب داره, فاستقبله فور خروجه وسارا معاً.
ثم امضيا ثلاث ساعات في ملهى اعتادا على ارتياده, حيث تجرعا كؤوساً عديدة من الشراب المسكر, وانضم إليهما رفيق ثالث, واتصل بهم رابعهم معتذراً عن الحضور بسبب وعكة صحية.
عند انتصاف الليل, غادر الثلاثة المكان وتوجهوا إلى شارع مظلم يأوي عدداً من السيارات, وبعدما تفقدوا محيطه جيداً, همّ أحدهم بفتح واحدة من المركبات المتوقفة في المكان لكنه لم يفلح.
فلكزه رمزي بيده وهو يضحك هازئاً ويقول له: يبدو انك فقدت مهارتك يا صديقي! أنظر كيف يكون العمل الصحيح!
وتمكن الشاب بالفعل من فتح باب السيارة, لكنه ما كاد يفعل حتى دوى صوت بوق الإنذار المجهزة به.
فارتبك أحدهم وصاح: يا إلهي! إنها مجهزة!
وصاح رمزي بأحدهما: أسرع ! أخفِ صوته! أنت ماهر في هذه الأمور!
فولج الرجل إلى داخلها, وعالج جهاز الإنذار بأسلوب لا يخلو من الخبرة والإتقان, فأسكته بالفعل.
وابتسم ثلاثتهم, ثم صعد آخرهم معهم, في نفس الوقت الذي علا فيه صوت صراخ: توقفوا! أيها اللصوص!
أصيب رمزي عندها بالذعر, وصاح برفيقه خلف المقود: أنت شغل المحرك هيا! دعنا نلوذ بالفرار!
وكان الرجل قد سبقه بالفعل إلى ربط اسلاك المحرك ببعضها بهدف تسييرها.
لكن المنادي كان قد دنى منهم, وفاجأهم بطلقات نارية من مسدس كان بحوزته, وهو لا يكف عن الصياح: توقفوا!
لكنهم لم ينصاعوا لمراده, وتحركت السيارة بطريقة هوجاء, فلم يتردد الرجل في إفلات الزمام لرصاصات مسدسه, فأصابت هيكل السيارة وحطمت زجاجها!
وكان رمزي يمكث في المقعد الخلفي, فأصابته واحدة من الطلقات في عنقه, فصاح متأوهاً ونفر الدم من مكان إصابته!
ولم يدر بما جرى بعدها, فقد غاب عن الكون بأسره!

يتبع

تصفح الحلقات الحلقة السابقة: << مسلسل أحبك بجنون الحلقة 10 – حكاية زينة|الحلقة التالية: مسلسل أحبك بجنون الحلقة 12 – حكاية سمر >>

عن الكاتب

محمد عيد

مدرّس، كاتب، مطوّر مواقع الكترونية ويوتيوبر في العالم الرقمي. حاصل على الإجازة في الحقوق والعلوم السياسية من الجامعة اللبنانية ببيروت، ومهتم بالتنمية البشرية وتطوير الذات والأدب العربي والتقنية. أنشر قصص وروايات وقصائد واقتباسات وفيديوهات خاصة بي. جميع محتويات المدونة من ابداعي الشخصي وأنشرها بنفسي في أوقات فراغي .

أكتب تعليقك ورأيك