إستقلت “زينة” هذا الصباح سيارة أجرة لإيصالها إلى مركز عملها ، وكانت قد وفرت أجرة السائق من المال الذي أعطتها إياه والدتها لابتياع الطعام وقد مكثت الفتاة في السيارة فبدت كمتسول يدخل قصراً ، ونظرت إلى الشارع وكأنها تهزأ بجميع المارة ثم إنها فكرت بعملها وبرئيسها وبما جرى البارحة فابتسمت بتلقائية. لكن ابتسامتها ذابت فجأة حين تذكرت ما قالته أمها البارحة.
إذ أنها بعدما تسلمت الزهور والطعام اللذين أرسلهما “سامر” علقت صديقتها :
آه ! إنه رجل لطيف !
وقالت أمها : أجل . لطيف لدرجة تثير الريبة !
وشعرت الفتاة بالقلق والانزعاج ، فشغلت نفسها بمراقبة المارة حتى وصلت إلى مركز عملها ، فترجلت من السيارة ورمت للسائق بألف ليرة فصاح بها : بل ألفين يا آنسة ! لقد كانت الطريق طويلة !
” وما ذنبي أنا ! لقد علمت بوجهتي منذ البداية فلم تعترض!” صاحت مستنكرة : أجرة السائق هي ألف ليرة هذا هو العرف!
وانصرفت مسرعة حتى لا تسمع اعتراضاته وشتائمه وقالت تخاطب نفسها هذا ما كان ينقصني ! يريد المزيد! إنه لا يعلم أن هذا “الألف” هو كل ما أحمله ! بل كل ما أملكه!
وولجت من المصعد إلى مكتبها وهي ترجو الله أن يكون هذا النهار أفضل من سابقه ، وتتذكر أن شقيقها سيخرج اليوم من المشفى فتتفاءل بالخير وتعمم نفسها الفرحة .
ونظرت إلى ساعة الحائط فوجدتها تشير إلى الثامنة تماماً ، توقعت حينها أن السيد سيدخل في أي لحظة. فنهضت وجهزت البريد وبرنامج عمل اليوم وحملتها إلى مكتبه وذلك تنفيذاً لأمر منه.
لقد قال لها البارحة أنه يحب حين وصوله أن يجد البريد والبرنامج اليومي على طاولة مكتبه.
وهي تركز جيداً على كل أمر يصدره ، وتعمل على إرضائه. في النهاية يجب أن تثبت له جدارتها..
وفكرت بشيئ .. لقد فضلها على الكثيرات ممن توفر فيهن الخبرة .. فشعرت بالامتنان نحوه وبالتقدير لموقفه .. وأحست بأن مسؤوليتها مضاعفة الآن .. فعليها أن لا تخيَب رجاؤه .. وأن لا تدع الندم يصيبه بسبب اختياره لها.
وفتحت باب مكتبه وأرادت الدخول لكنها رأت ما أذهلها ودفعها لإقفال الباب بسرعة والارتداد خطولت شاسعه للخلف !
وهمست : يإلهي! لا أصدق!
لقد رأت الفتاة رئيسها نائماً على أريكة مكتبه الفخمة وبجواره إمرأة إعتبرتها : غير محترمة!
في الواقع لقد إعتبرت كل ما رأته : غير محترم.
لقد رأت الإثنان يغطان في سباتٍ عميق وهما متعانقان.
وعلقت مرة أخرى : غير معقول ! لا يمكن !
ورمت ما تحمله من أوراق على مكتبها بل إكتراث ، وأرادت النظر مرة أخرى والتأكد من حقيقة ما رأته ، ولكنها لم تجرؤ على فعل ذلك وبقيت مسمَرة في مكانها بلا حراك.
واختلطت في رأسها الأسئلة بالأفكار ، والحقائق بالظنون .. واختصمت الفتاة مع نفسها ..
“أتراه يكون من هذا النوع ؟”
“أتراه بهذا السوء؟”
“لا يا “زينة” لا تسيئي إليه !”
“أسيء إليه ؟! لكنها حقيقة ! وإلا فما الذي يفعله مع تلك المرأة وفي مكتبه !”
“لكن قد تكون زوجته !”
“آه ! لا تتحامقي !”
وتذكرت فجأة ما قاله لها البارحة : إنها تخشى علي من الجنس اللطيف وتعتقد أن أي امرأة ستكون قادرة على إختطافي منها وأنني رجل بلا تجارب.
لقد أفنيت سنيني الماضية في العمل .. الحقيقة أني لست كسواي أخفي أسراراً أو أكون حياة حميمية خاصة .. أنا إنسان واضح ومستقيم.
وغمغمت “زينة” بغضب : واضح ومستقيم !
يتبع