في دارها كانت السيدة ” نهاد ” تسير على غير هدى كطفل صغير ضائع ، ثم تجلس تارة وتنهض أخرى .
تتأفف أحياناً وتذرف الدمع حيناً..
وتهمس بحرقة بالغة : بنيتي !!
ثم ترتمي من جديد فوق مقعدها وقد أعياها الصبر ، وتقول لشخص يجالسها لكنه لا يبالي بمأساتها :
لكن هل ستبقى على هذه الحال ؟؟
ولمَا لم يرفع بصره عن الصحيفة التي يقرأها ، أضافت بغضب : أنت بارد جداً ! دع هذه “النفاية” من يدك وانهض لتبحث عن “سهام” ! ألا يهمك أمرها أو تقلق لضياعها ! ألا تشفق على حالي .. !
” لقد فعلت كل ما أقدر عليه” قال بهدوئه المعهود : أبلغت الشرطة عن اختفائها .. ووظفت متحرٍّ خاص ليبحث عنها .. ماذا تريدين أكثر من هذا ؟! هل تريدين أن أهيم في الطرقات بحثاً عنها ؟!
ولم تجيبه ، بل لاذت بالصمت ، وتركت دموعها لتنطق باسمها .
أما هو فنهض من مكانه ، ووقف أمام النافذة يتأمل الطقس الصافي في هذا اليوم الشتوي ، يفكر بامرأة لا تبرح خياله ، ويتذكر صديقاً حميماً أرسله في مهمة للخارج .. ويبتسم.
ويرن جرس الهاتف فيسرع نحوه وكأنه ينتظر صوته منذ زمن ، إلا أن يد السيدة الحائرة تكون أسرع في التقاطه ، وينطق لسانها بكلمات مبهمة ، وتشهد عيناها مجزرة من الذهول والحزن العميق.
وسلمته سماعة الهاتف وهي على حالها ، فتلقفها بقلق وأجاب : نعم .. ماذا ؟!
ووصله صوت الخاص يجيب :
يؤسفني إبلاغكم بهذا النبأ سيدي. الآنسة “سهام” غادرت لبنان منذ أيام . بعد البحث تبين لي أنها سافرت الى فرنسا.
ولم يستمع الرجل الى المزيد بل رمى السماعه من يده ليلتقط جسد السيدة الذي تهاوي أرضاً.
ويرفعه قائلاً : يا إلهي ! هذا ما كان ينقصني !
كان هذا الرجل هو السيد “سامر فياض” !
يتبع