ومرت ايام وهي على هذه الحال، تشعر بأن حبها لمرجان ضرب من المحال الى ان تحدثت إليها أمها، بكلام خفف عنها، وأثلج صدرها و أعاد الأمل الى قلبها.
قالت لها ان مرجان يبحث عنها باستمرار، ويشعر بالحزن لغيابها و بالشوق لرؤيتها، و بالقلق عليها في الليل و النهار.
قالت لها انه ما انفك يسألها عنها، وعن صحتها، و عن اسرار اختفائها، و انه كلنا جلس في البستان أو في مخدعه، يتمنى لو أنها كانت معه.
فعقدت الفتاة الأمال من جديد، وقررت عن موقفها المقاطع ان تحيد. و عند الصباح التالي ارتدت أجمل ثوب لديها، و نثرت أغلى عطر عليها، ثم سارت الى القصر مع والدتها، و لما دخلته و رأها مرجان ارتدّت الى وجهه كل الألوان، فقفز من مكانه اليها، و سلم بحرارة عليها، و نقل لها مبلغ اشتياقه، و قال لها ان غيابها عنه أوحش أوقاته.
وتركتهما كريمة يتنزهان بين الأشجار، فجمع لها مرجان باقة من الأزهار، ثم سألها عن سر رحيلها فجأة و عن سر الغياب، فصارت تخترع له أسبابا و أسباب.
و صحبها بعد ذلك الى غرفته، و قد أخبرها بأنه سيريها لوحته، قال لها انه اختارها من بين مجموعة لوحات عرضت عليه، ليمتع برؤيتها عينيه,
ثم إنه لما كشف عن اللوحة النقاب، انطفأ النور من وجه ياسمينة و غاب، و نظرت إليه بخوف وارتياب.
كانت اللوحة تحمل رسما لقلب ينزف دماً، و قد غرست يدٌ غريبة في وسطه خنجراً.
ولم تحتمل المزيد من الصمت فصاحت به:
لكن مرجان ألا تشعر بالإنزعاج من رؤية أمر فظيع كهذا؟! أقصد أنها صورة تثير المشاعر و تبعث قشعريرة في الجسد كله، فكيف تقول أنك تتمتع بتأملها؟!
فابتسم ببلاهة و أجاب: لا تكوني مرهفة الإحساس هكذا! انها مجرد صورة جميلة و متقنة الصنع!
فقالت له: لكن اين الجمال فيها؟
فقال: تقولين هذا لأنك لا تفهمين قيمة الأعمال الفنية و معناها، لقد رأيت فيها..
و قبل أن يتم عبارته، سارت ناحية الباب، فسألها: الى أين؟
فأجابته: الى الخارج..جو الغرفة يقتلني!
و غادرته و هي تسمع عبارة جارحة جديدة: أه ! البشر العاديون ليسو ذواقة للفن!
يتبع