وكان كلما ازداد في الكلام، ازدادت هي ابتعاداً عنه، و انزعاجاً منه، و تململت في مكانها، ثم سألته لتغير مجرى الحديث:
مرجان ألم تعرف كيف رحل والدك؟
فقطع حديثه المسترسل، و أجابها بشيء من اللامبالاة:
ماذا؟ لا..لم يخطر هذا الأمر ببالي أبدا.. في الواقع أنا لا أهتم به.
فعجبت لكلماته، ثم قالت له مستطردة:
مرجان..أنا أريد أخذ رأيك في مسألة هامة بالنسبة لي.
فقال لها: أي موضوع؟ تكلمي يا ياسمينة.
فقالت: لقد طلب ابن خالتي يدي للزواج.
فصاح من فوره: ماذا؟!
و قطع طعامه، ثم نهض مسرعا نحوها و هو يضيف: ياسمينة إنه خبر رائع!
و تلألأت الإبتسامة عريضة على وجهه و هو يتابع: اذن ستغدين عروسا قريبا..هذا نبأ سارّ..أه يا ياسمينة أنا سعيد لأجلك.
و عرض خدماته: إسمعي سأتكفل بنفسي مصاريف زفافك. و سأسمح لك بإجرائه في قاعة الحفلات الملكية لو شئت.
فانهارت الفتاة مع كل أحلامها و أمالها و ظنونها، و أحست بأن الدنيا الواسعة تضيق بها، فشعرت بالدوار، و برغبة جامحة في البكاء و الصراخ، و سألته وسط كل هذا :
إذن تنصحني بالقبول؟
فأجابها و هو يبدي المزيد من السرور:
بالطبع. إذا كان ابن خالتك رجلاً مناسباً لك فلما الرفض؟
فقالت و هي تتألم من غصة في حلقها:
ألا تمانع إن قبلت؟
فردّ مستنكراً: لكن كيف تقولي هذا؟! أنا لن أمانع أبداً. إنها حياتك و لا شأن لي بها، ليس من حقي التدخل.
فترقرقت الدموع في عينيها، و همست:
لكنني..لكنك..
و لم تدر ماذا تضيف، فنهضت قائلة:
أستأذنك . لقد شبعت. سأذهب لرؤية أمي.
فأذن لها و هو يقول: كما تريدين لكن لا تتأخري عن حضور المحاكمة، فأنا سأكون القاضي بالنيابة عن والدتي.
فأومأت برأسها موافقة، و ركضت مسرعة من أمامه قبل أن يراها تذرف الدموع.
و ما ان رأت والدتها، حتى ارتمت في أحضانها، و هي لا تكف عن البكاء و النواح، فانطفأت في قلب كريمة الأفراح، و سألت ابنتها عن سر حزنها بإلحاح، فما كان من لسان الفتاة إلا ان باح.
يتبع