أما الرجل المريض فقد تحسنت صحته، واعتنى به الخدم حتى بدأ يستعيد عافيته، لكنه بقي ضعيفاً عاجزاً عن الحراك أو الكلام، و كان لا يكاد يستيقظ حتى ينام!
و جاءت كريمة في يوم تزور ابنتها، فخبرتها الفتاة بأحلى الأخبار، و قالت ان مرجان يتحسن مع الأيام كثيراً، و أنه قد بدّل الكثير من الأفعال. و انها كانت تظن حصول ذلك أمراً من المحال.
ففرحت الأم بسعادة الفتاة، و دعت لها بدوام البهجة، ثم رجت الله أن يرزقها بالبنين و البنات.
فإذا هما في حديث و ضحك و سلام، دخلت عليهما واحدة من الخدّام، و همست في أذن سيدتها شيئاً، فهبّت من مكانها مندهشة بسماع هذا الكلام، و قالت:
لقد تنبّه المريض؟!
فأجابتها: نعم. و لما علم أنه في قصر أناريس ركبه الفزع، و كان للخروج أكبر مُريد!
فقالت لها: سأراه.
و طلبت من أمها مرافقتها، و حكت لها قصة هذا العجوز، فقالت لها: خير ما فعلته، فتركه يموت أمر لا يجوز!
و سمعتا صراخه قبل الدخول، ينادي بصوت ضعيف فيقول:
أريد الرحيل! أريد الخروج! أنتم لا تعرفون شيئاً! إنهم وحوش!
و دخلتا عليه، فسألهما بنفور:
هل أرسلتكما إليّ عفريتة الفجور؟
و ذهلت كريمة لما أبصرته، و و أمعنت فيه النظر قبل أن تقول:
جعفر؟! أهذا أنت؟! غير معقول!
فقال لها و قد هدأت ثورته: أتعرفين من أنا؟
فبكت و قالت: أهذا أنت حقاً؟! يا إلهي…بعد كل هذه السنين!
و تفاجأت ياسمينة و هي تسمعه يقول:
مهلاً أنت كريمة ..أليس كذلك؟!
و أومأت برأسها، فبكى الرجل و هو يسألها عن زوجته و ابنته، لكنها قبل أن تجيبه خرّت مغشياً عليها.
و بعد أن استردت وعيها و فتحت عينيها، تحدثت الى الرجل بحديث حار و تبادلت معه ألف سؤال، كل هذا و ياسمينة تتابعهما و لا تفهم شيئاً مما يقال. لكن كل الغموض زال حين سألها الرجل فقال: و أين هي ابنتي الأن؟
فأجابته : هي بجوارك منذ أيام طوال.
و باحت أمامها بالحقيقة فقالت لياسمينة أنه والدها و أنه لم يمت كما ظن الجميع، فتفاجأت الفتاة و بكت و ارتمت بين ذراعي أبيها، و بكى الرجل كذلك الأمر، و صار يربت على ظهرها، و يدعو الله أن يحفظها و يحميها.
ثم جلس الأب مع ابنته و مربيتها، و و سرد عليها كل ما خفى عنهما و ما كان و كيف أنه سمع حديث الملكة مع خادمها عتريس، و عرف مخططها الخبيث، و لذلك أرادت أن تقضي عليه بتهمة كاذبة ، لكن الله أنجاه و هرب مع سفينة تجار.
يتبع
