عند حلول المساء كانت “زمردة” تجلس في غرفتها والحزن يلفها، فتفكيرها ب”أسامة” لم ينقطع مذ لاقته هذا الصباح، وقلقها لم يكف عن الإزدياد مذ علمت بأمر رحيله.
– آنستي..
خاطبتها “نسرين” بلطف بعدما أبصرتها تبكي :
– لقد ذرفت الدمع كثيراً اليوم.. أرجوكِ توقفي عن ذلك وحاولي تقبل الأمر..
– لا يمكنني يا “نسرين”.. لا يمكنني.
قالت بصوت مرتجف: الخوف الذي في داخلي هو أقوى مني..
– لستِ وحدك الخائفة والقلقة..
قالت “نسرين”: أنا أيضاً أشعر بنفس ما تشعرين به في داخلك.
مسحت دموعها وهي تسألها بدهشة: ماذا تعنين؟!
– الطبيب “أسامة” لن يذهب وحده إلى الميدان.
قالت بأسف: مساعده “ليث” سيرافقه.
– مساعده “ليث”؟!
سألتها باهتمام: وما قصتكِ معه؟
– لا، ليس هناك قصة تجمعنا أصلاً.
أجابتها بارتباكك لكني أظنه معجباً بي.
– وأنتِ؟!
– مع أني لم أظهر له ذلك
قالت مبتسمة: إلا أني أستلطفه، وأشعر بالحزن لرحيله الآن.
– لا ريب أنك تحبينه.
قالت “زمردة”: وإلا فإنّ قلقكِ عليه غير مبرر.
– أحبه أو لا، هذا لم يعد مهماً الآن
قالت متأسية: من يدري إن كان سيعود من رحلته أم لا.
– لا، لا تقولي هذا أرجوكِ.
صاحت بهلع: أنتِ تزيدين من قلقي.
وأضافت: سيعودان إن شاء الله.. “اسامة” يجب أن يعود..
وقالت وصيفتها: و”ليث” أيضاً.
وجلست الإثنتان في حيرةٍ وألم.
***********
أغلق “اسامة” حقيبته بعد أن جمع فيها كل ما يحتاجه من أدوات الطب والعلاج، ثم جلس على مقعده بانتظار وصول صديقه وعقله لا ينفك يفكر بمحبوبته حتى خاطب نفسه قائلاً: آه “زمردة”.. لو تعلمين كم سأشتاق لكِ.
ونهض عندما أدرك وصول “ليث”، فاستقبله قائلاً: لقد تأخرت! عربة الجند قد تصل بين لحظة وأخرى.
ولم يجبه على كلامه بل لزم الصمت وبدى الخوف واضحاً على وجهه فسأله “أسامة”: لكن ما بك؟ تبدو متجهماً!
– أشعر بالخوف..
أجابه من فوره: نحن ذاهبان إلى ساحة المعركة وهذا الأمر يصيبني بالقلق..
– على حياتك؟
– أجل..
– وحياة وطنك ألست بقلقٍ عليها؟
– وكيف لا؟
– وإن خيّرت بين حياتك و حياة وطنك فأيهما ستختار؟
– سأختار حياة وطني بالطبع.
فابتسم عندها “أسامة” وقال: إذن لا داعي لأن تقلق على حياتك.
ولمح عربة الجند تقترب من العيادة فدفعه بخفة وهو يضيف:هيا بنا لندافع عمّا هو أغلى من حياتنا.
فتمتم ليث بعدما فهم مغزى كلامه : هيا.. في سبيل الوطن.
يتبع